شاه فيصل
أكد مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، على أهمية عمل إيران والهند معًا لتعزيز الاستقرار في أفغانستان وإنهاء الإرهاب التكفيري في البلاد. وتم إجراء المحادثات على مستوى الوفود قبل الاجتماع القادم لوزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون الذي سيعقد في مدينة غُوا، وشملت المحادثات مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية، فضلاً عن التطورات الإقليمية والعالمية الرئيسة. كما التقى دوفال بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.
ما هي الأيديولوجية التكفيرية؟
التكفير اتهام بالكفر أو إعلان للردة يؤدي إلى إخراج مسلم آخر عن الإسلام. إنها ممارسة يعلن فيها مسلم أن مسلمًا آخر كافر، وهو ما تستخدمه بعض الجماعات المتطرفة للتوصية بعقوبة الإعدام للمرتدين. وفي الماضي، أدت فتاوى تكفيرية إلى اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، واغتيال محافظ إقليم البنجاب (باكستان) سلمان تيسير، وتهديدات بالقتل للكاتبين سلمان رشدي وتسليمة نسرين. وأعلنت جماعة إسلامية متطرفة مقرها تاميل نادو أن رئيس جمهورية الهند السابق إيه بي جيه عبد الكلام مرتد. ويتم إصدار فتاوى بانتظام في الهند لطرد المسلمين من “المجتمع الإسلامي” بتهمتي التجديف والردة.
وكان كتاب “مسائل من فقه الجهاد” لأبي عبد الله المهاجر (أحد كبار منظري تنظيم الدولة الإسلامية) من أهم الكتب في الآونة الأخيرة لنشر التكفير كحجة دينية وقانونية لتبرير العنف ضد المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وكان المهاجر سلفيًا جهاديًا مصريًا أثر على زعيم تنظيم القاعدة السابق أبي مصعب الزرقاوي.
ونشأ مفهوم التكفير، الذي أدى إلى التعامل مع الردة والكفر على أنهما من جرائم خطيرة، مع فرقة الخوارج في القرن السابع الميلادي.وكان الخوارج أول جماعة تعلن التكفير ضد إخوانهم المسلمين، ومارسوا الحق في القيام بذلك، وأدخلوا عمليات قتل خارج نطاق القضاء ضد إخوانهم المسلمين. وأدى هذا إلى ظهور التطرف الإسلامي. ومع مرور الوقت، تم تطوير مفهوم التكفير من قبل العديد من الباحثين وعلماء الدين.
وفي القرن الثالث عشر، ميّز العالم الإسلامي ابن تيمية بين القانون الوضعي والقانون الإلهي، داعيًا المسلمين الذين يعيشون في ظل القوانين الوضعية إلى الهجرة إلى الأراضي التي تحكمها الشريعة. وصنف الكفارَ إلى فئات مختلفة، من المرتدين ومن تخلّفوا عن أداء واجباتهم الدينية. ووسع ابن تيمية مفهوم التكفير بالقول إن الفشل في أداء الفرائض الدينية جريمة وإن المسلمين الذين يفشلون في أداء واجباتهم الدينية هم أسوأ من الكفار أو أعضاء الجماعات الدينية الأخرى.
وفي القرن الثامن عشر، تم تطوير مفهوم التكفير على يد محمد بن عبد الوهاب، مؤسس المذهب الوهابي. وكان هدفه تنقية المجتمع الإسلامي من خلال مطالبة المسلمين بالعودة إلى مذهب النبي وصحبه، ورفض قرارات المذاهب السنية الأربعة وأي إجماع يصدر بعد وفاة الصحابة. واعتبر المسلمين الذين اتبعوا التقاليد التي ظهرت بعد الجيل الأول من الإسلام مشركين.
وشهد القرن العشرون مزيدًا من التطور في التكفير حيث بدأت الدول ذات الأغلبية المسلمة في تبني نماذج القانون الغربية. واستخدم سيد قطب، العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، مفهوم الجاهلية المعاصرة للتنديد بالمجتمعات والحكومات الإسلامية التي اتبعت النموذج الغربي. وبالمثل، أدان أبو الأعلى المودودي، مؤسس المنظمة السياسية -الجماعة الإسلامية (جماعتِ إسلامي)، الدول ذات الأغلبية المسلمة لاستعارتها دساتير وقوانين ومبادئ من الكفار.
وقد استشهد قادة متشددون بأفكار المودودي، مثل زعيم داعش أبي بكر البغدادي، الذي أعلن نفسه خليفة وأشار إلى فكرة المودودي عن دولة إسلامية. واستند تنظيم داعش مرارًا وتكرارًا إلى ادعاءات المودودي بأن السيادة لله وحده وأن المواطنة الكاملة للدولة الإسلامية متاحة للمسلمين فقط. وقد أيدت الجماعات الإرهابية مثل “أنصار غزوات الهند” نفس القضية. وقد أدى ذلك إلى اضطهاد الأقليات الدينية ومحاولات سحق أي عقيدة إسلامية تخرج عن نموذج داعش. ويتجلى هذا الاستخدام المتطرف للتكفير أيضًا في حملة داعش ضد الصحوة السنية في العراق.
وانطلاقاً من هذه الأيديولوجية، يستهدف تنظيم داعش المسلمين منذ عام 2014م في دول مثل أفغانستان والعراق وسوريا. ويتجاوز تعريفه للكفر غير المسلمين ليشمل المسلمين الذين يُعتبرون كفارًا بالمصادفة.
ولداعش وجود قوي في شرق وشمال أفغانستان، لا سيما في إقليم ننجرهار، الذي يُعتبر قاعدته في الدولة التي مزقتها الحرب. ومنذ استيلاء طالبان على كابول في عام 2021م، هناك اشتباكات متكررة بين الإمارة وداعش–ولاية خراسان، حيث نفّذ تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان هجمات إرهابية عديدة ضد قوات طالبان والصحفيين وأعضاء المجتمع المدني ومجتمع الهزارة الشيعية في جميع أنحاء أفغانستان. ويشترك الهزارة، وهم طائفة شيعية مضطهدة تاريخيًا، في قواسم مشتركة مع رجال الدين الإيرانيين، وقد فر العديد من الهزارة إلى إيران في الماضي بسبب اضطهاد طالبان. وفي حين، قد طمأنت حركة طالبان التي عادت إلى السلطة للمرة الثانية، مجتمع الهزارة على سلامتهم خلال الاحتفالات الدينية الشيعية.
حركة ضد التكفير
السؤال الأساسي في الفكر التكفيري هو: من هو المسلم الحقيقي؟ والجواب التكفيري على هذا يأتي من تفسير حرفي وصارم للإسلام.
في حين، هناك أيضًا أصوات من جميع أنحاء العالم الإسلامي تدين ممارسة التكفير. وفي يوليو 2005م، قاد الملك عبد الله الثاني ملك الأردن مؤتمرًا إسلاميًا دوليًا لكبار علماء المسلمين في العالم لمناقشة قضية التكفير. كما تقرر تجنب الفتاوى الجاهلة والمتطرفة في مثل هذه المواضيع الخلافية.
بينما تذكر العديد من الآيات القرآنية الكفار، فإن القرآن نفسه لا يعرف الردة. وإن تعريف الردة في الإسلام يقدمه الإنسان دائمًا. ووفقًا لعدد من الآيات القرآنية، فإن الله وحده هو الذي له الحق في التكفير، لأنه وحده من يقرر منزلة المؤمن، وهذا الحكم سيحدث في الآخرة. وبالتالي، فإن إعلان التكفير من قبل البشر يشكل خطيئة دينية بموجب الشريعة الإسلامية.
ويمكن وجود التحريم غير المباشر للتكفير في آيات قرآنية مختلفة، مثل 6: 108 و 4: 94. وتؤكد هذه الآيات على أهمية عدم إهانة الأديان الأخرى، فقد يؤدي ذلك إلى الانتقام، وعلى تحذر المؤمنين من التعجيل بالحكم على إيمان الآخرين. وبالتالي، فإن استخدام التكفير من قبل الجماعات المتطرفة مثل داعش يتعارض مع تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن.
وهناك قدر كبير من الدراسات الإسلامية التي تشير إلى أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم حذر المسلمين من تكفير شخص ما لارتكابه معصية أو طرده من الإسلام بسبب أفعاله. وهذه التعاليم الموجودة في الأحاديث النبوية المختلفة، مثل صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن النسائي، تبين أن النبي لم يحرم التكفير فحسب، بل اعتبر مثل هذه التصريحات إثمًا. (أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه) (متفق عليه).
ويرى العالِم الإسلامي البارز جاويد أحمد الغامدي أن التكفير يتعارض مع روح القرآن ويقترح أنه لا يحق لأحد أن يدعو المسلم بالكفر إلا إذا قام هذا المسلم بإعلان عام متعمد عن ترك العقيدة الإسلامية.
ينتمي غالبية المسلمين الهنود إلى الطائفة السنية التي تنقسم أيضًا إلى الوهابية والبريلوية. وفي الماضي، كانت هناك حالات متكررة من الدعاة الوهابيين الذين أعلنوا أن البريلويين مرتدون لعبادة القبور وممارسات الشفاعة الأخرى. وكان أعلن الفقيه رشيد أحمد الكنكوهي، من كبار علماء ديوبند، أن أفكار أحمد رضا خان جعلته كافرًا.
وبالمثل، وصف البريلويون الوهابيين بأنهم كفار لعدم احترام النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر مؤسس الطائفة البريلوية أحمد رضا خان في كلماته الشهيرة أن فئة المنافق المرتد تشمل الوهابيين والروافض (الشيعة) والقاديانيين والعقلانيين. وبدورهم، يعلن كل من الوهابيين والبريلويين الشيعة والبهائيين والأحمدية مرتدين، ويرفضون أداء الصلاة في مساجدهم ويمنعون العلاقات الزوجية معهم. ولا تزال هذه التصريحات ممارسة شائعة اليوم، ووسائل التواصل الاجتماعي في الهند مليئة بخطابات الكراهية التكفيرية التي يلقيها خلال خطب الجمعة رجال دين من طائفة، ويدعون بالتفوق على الأخرى.
وفي ظل هذه الخلفية، فإن إثارة أجيت دوفال مسألة الإرهاب التكفيري خلال الزيارة الأخيرة إلى إيران يكتسب أهميةً. وتشترك الهند وإيران في مصالح أمنية مشتركة في أفغانستان. وتشعر كل من الهند وإيران بالقلق من خطر الإرهاب المنبعث من أفغانستان، لا سيما من جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية الذي استهدف كلا البلدين في الماضي. والهند لديها ثاني أكبر عدد من المسلمين في العالم وحوالي 13 ٪ من المسلمين الهنود ينتمون إلى الطائفة الشيعية. وفي الماضي، كانت هناك محاولات مستمرة من قبل المنظمات الإرهابية العالمية لتجنيد الشباب المسلمين الساذجين. وقد شهدت باكستان مستويات عالية من العنف، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية ضد الأقليات المسلمة، والشيعة هم الضحايا الرئيسون لمثل هذا العنف. ولا يمكن السماح بحدوث هذا في الهند.
وبالتالي، فإن قيادة الهند في محاربة التطرف التكفيري في أفغانستان بالشراكة مع إيران لن تضمن العلاقات الطائفية داخل حدودنا فحسب، بل ستؤدي أيضًا إلى الكثير من النوايا الحسنة عبر العالم الإسلامي التي دمرها الجهاد التكفيري في السنوات الأخيرة.
(شاه فيصل هو موظف الخدمة الإدارية الهندية (IAS). والآراء شخصية)