Arabic News

شعار "سَرْ تَانْ سِى جُدا" هل يؤيده الإسلام؟

مشهد من حيدر آباد أثناء موكب احتجاجي

ثاقب سليم

في منتصف شهر يوليو، قتل رجلان مسلمان خياطًا اسمه “كانهايا لال” في مدينة أودايبور بولاية راجستهان، متهمَين إياه بإساءته للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. بينما طعن رجل آخر سلمان رشدي مؤخرًا لأسباب مماثلة وذلك في الولايات المتحدة. ووجّه العديد من الأشخاص نداءات لقتل نُوبُور شارما بتهمة الإدلاء بتصريحات مهينة للنبي محمد. كما حدث مؤخرًا نفسُ الأمر مع تي راجا سينغ لأنه أدلى بتصريحات مسيئة للنبي محمد. ويمكن رؤية عدد كبير من الشباب المسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يؤيدون شعار “Gustakh-e-Rasool ki ek hi saza، Sar tan se juda” (قطع الرأس هو العقوبة الوحيدة لمن يسيئ للنبي).

في مثل هذه الظروف، اتصل بي المفكر السياسي والباحث المسلم طارق أنور من منطقة تشامباران بولاية بيهار وسألني كيف يمكن أن يوجّه أتباعُ محمد الذي أُرسل رحمةً للعالمين، نداءات لقتل غير المسلمين. وبالطبع، كان سؤاله منطقيًا. لقد تحيرت كثيرًا كيف يمكن أن يفكّر المسلمون في قتل الناس عندما أمرهم أحد أهم مرشديهم بعد الرسول محمد، علي رضي الله عنه، جيشه قبل معركة بعدم الهجوم على من أتوا بالاستسلام، وعدم إيذاء المعاق والضعيف، وعدم الاعتداء على الجرحى، وعدم إثارة النساء وإغضابهن بالتصرف الفظ حتى في حالة استخدام كلمات قاسية ومهينة للقائد. كما قال لهم “لا تأخذوا زمام المبادرة في القتال”.

طلب النبي محمد من أتباعه عدم مهاجمة أولئك الذين استسلموا، غير مسلحين، أو غير المقاتلين. لقد عفا النبي عن أولئك الذين اعتدوا عليه، ناهيك عن أولئك الذين كانوا يستخدمون لغة مهينة له.

لقد أثار سؤال ذلك الباحث الفضولَ وحب الاستطلاع لي. وبصفتي مؤرخًا، بدأت في البحث عن الجذور التاريخية لهذه الرواية التي مفادها أنه إذا استخدم غير مسلم لغة مهينة للنبي محمد، فيجب قتله. لقد اندهشت عندما علمت أن رواية عقوبة الإعدام للإساءة للرسول محمد لا تتجاوز القرن التاسع عشر. من الإمام أبو حنيفة رائد المذهب الحنفي الذي يحظى بأكبر عدد من الأتباع بين المسلمين، خاصة في شبه القارة الهندية، أكّد كل فقيه بارز من المذهب الحنفي تقريبا بشكل قاطع أنه لا يمكن قتل أي شخص بسبب إساءته للنبي.

خلال القرن التاسع عشر، حاولت عدة حركات أيديولوجية جديدة تحدي سلطة المذهب الحنفي، حيث كانت المدرسة الديوبندية والبريلوية طائفتين فرعيتين بارزتين. ادعى أهل الحديث أنهم أقرب إلى الشكل النصي للإسلام وألقى باللوم على الحنفية في إفساد الإسلام “الأصلي” بالممارسات الثقافية الهندية، بينما اتهم الأحمديةُ الحنفيةَ بالانحراف عن طريق النبي.

وفي العشرينات من القرن الماضي، أثار كتيب بعنوان ” رَنْغِيلَا رَسُول” أصدره ناشر اسمه “راج بال” الاستياء بين المسلمين. ورأى القاديانيون الذين وصفهم المسلمون الآخرون بالزنادقة، أنها فرصة ذهبية فحشّدوا المسلمين ضد الناشر. لقد وضعوا ملصقات حاملة هذه الكلمات “هل أساتذة محبة الرسول هؤلاء لم يستيقظوا حتى الآن”، وبالتالي انتقدوا العلماء من الديوبندية والبريلوية بشكل مباشر، الذين لم يحشدوا الناس حتى ذلك الوقت.

كما انضمت قيادة أهل الحديث إلى هذا الفريق. وقُتل “راج بال” في وقت لاحق، على يد الشاب المسلم علم الدين في عام 1929م، والذي أشاد به قادة القاديانية والرابطة الإسلامية كبطل.

كانت هذه هي الحالة الأولى التي أثارت فيها فئة ذات دوافع سياسية مشاعر الجماهير المسلمة ضد تعاليم غالبية علماء الإسلام. علّق أحد فقهاء المدرسة الديوبندية الأكثر نفوذًا في تلك الفترة مولانا أشرف علي التهانوي أنه على الرغم من أن العواطف يمكن أن تدفع المسلمين إلى الاعتقاد بوجوب قتل شخص يسيئ للنبي، إلا أن الدين لم يسمح بهذا العمل.

اعتقد الإمام أبو حنيفة أن عدم احترام النبي محمّد هو شكل آخر من أشكال عدم اتباع الإسلام، وبما أن غير المسلمين لهم كل الحق في عدم اتباع الإسلام، فلا يمكن إجبارهم على احترام النبيّ.

في القرن التاسع عشر، كان أهل الحديث يروجّون لحجة مفادها أن موقف المذهب الحنفي المتمثل في عدم القتل بتهمة التجديف كان خاطئًا. واستشهدوا بعدة أحاديث نبوية لإثبات أن الناس قُتلوا بسبب إساءتهم للنبي محمد. أخذ الفقهاء الحنفية هذه التهمة على محمل الجد، وفي حدث نادر وقّع أكثر من 450 عالمًا إسلاميًا من الهند وخارجها على فتوى تتحدى، بشكل قاطع، مزاعم جماعة أهل الحديث.

وأشاروا إلى أن الأحاديث المقتبسة تتعلق بتكرار الجريمة، وأن هؤلاء أيضًا لم يُعَاقبوا بالإعدام. وتمنح عقوبة الإعدام، في حالة الحكم بها، لاعتبارات سياسية وليست لاهوتية. وقّع على الفتوى أحمد رضا خان، أحد أهم الشخصيات البريلوية، ومولانا محمود حسن، أحد رواد المدرسة الديوبندية إلى جانب جميع الفقهاء البارزين تقريبًا في ذلك الوقت.

اليوم، نرى أشخاصًا يدّعون بأنهم من المذهب الحنفي، يرفعون شعارات الموت للتجديف. وهناك موقف راسخ لدى علماء الإسلام أن المسلم يعفو عن الناس، ويطلب من الله الحكمة لخصومه، ويؤمن بيوم الدين. لا مكان لعنف الحشد الجنوني في الإسلام. لم يطلب أي عالم جاد من المسلمين قتل أناس عُزل.

مواد مقترحة