نيودلهي: أرون آنند
يبدو أن المؤسسات السياسية والعسكرية الصينية على طرفي نقيض حيث تستمر حملة التطهير التي يقودها شي جين بينغ في استهداف القادة العسكريين وزملائه في المستويات العليا للحزب الشيوعي الصيني.
وهناك عدد من حالات الاختفاء البارزة التي لم يتم حلها خلال الأشهر القليلة الماضية والتي شملت وزيرَ الدفاع لي شانغ فو ووزير الخارجية تشين جانغ. ولقد تمت إقالة مفاجئة لكل من لي يو تشاو وشو تشونغبو من قوة الصواريخ.
وتشير عمليات الإبعاد والإقالة والاختفاء هذه إلى وجود صراع شديد على السلطة داخل الحزب الشيوعي الصيني، وأن قيادة شي تواجه تهديدًا خطيرًا من الداخل. ولكن بسبب الرقابة الصارمة وسيطرة الدولة على وسائل الإعلام داخل الصين، فقد قللت وسائل الإعلام الصينية من حجم التهديد. وباستثناء مراقبي الصين الحريصين، الذين هم قليلون، يعتقد العالم إلى حد كبير بأن كل شيء على ما يرام في الصين وأن شي هو زعيم بلا منازع. ولا يمكن أن يكون أي شيء بعيدًا عن الحقائق على الأرض.
ولقد أدّى الركود الهائل في قطاع العقارات، والانكماش القوي في الاقتصاد الصيني، والفساد المتفشي، إلى إثارة شريحة قوية من الحزب الشيوعي الصيني وكذلك الشعب الصيني شكوكا جدية حول قدرة شي القيادية. وجاء رد شي في شكل حملة تطهير، وهي من الأعراض الكلاسيكية للانهيار الداخلي في النظام الاستبدادي الشيوعي. وإن الوضع الحالي في الصين والحملة القمعية ضد المنشقين والمعارضين داخل الحزب الشيوعي الصيني تذكِّر بعمليات التطهير التي قام بها ستالين في الاتحاد السوفييتي.
وقد اتبع النظام الشيوعي الصيني نفس النموذج منذ أن استولى على السلطة في عام 1949م. وأسفرت ما يسمى بـ “الثورة الثقافية الصينية” التي بدأت في الستينيات واستمرت حتى عام 1976م عن مقتل أكثر من مليوني شخص. والحقيقة هي أن ماو تسي تونغ كان أطلق حملة تطهير على مستوى البلاد باسم “الثورة الثقافية” مما أدى إلى مقتل جميع المعارضين داخل الحزب الشيوعي الصيني. وأي شخص أثار تساؤلات حول سياسات ماو أو قدرته كزعيم تم سجنه أو قتله. والآن يسير شي على خطى ماو.
وإن إحدى الروايات التي هيمنت على الخطاب الدولي منذ بداية القرن الحادي والعشرين هي أن الصين تستعد لأن تصبح القوة العالمية التالية. ومع ذلك، فإن الفحص الدقيق للقضايا والتحديات المعاصرة التي تواجه الصين يشير إلى أن الصين تتعرض للتهميش الدولي بشكل متزايد، كما أنها تواجه أزمة سياسية داخلية. ويبدو أن الحزب الشيوعي الصيني حريص على تقليل الدعاية على الساحة الدولية فيما يتعلق بنزاعاته الداخلية وانعدام الأمن المتزايد. ويقوم بتخصيص موارد كبيرة لإدارة صورتها العالمية على هذه الجبهة.
شي يعترف بتزايد انعدام الأمن
وقد اعترف الرئيس شي جين بينغ أيضًا بالشكوك المحيطة بمنصبه القيادي في الصين. وفقًا لتقرير صدر في أغسطس 2022 في صحيفة نيويورك تايمز “في حديث خاص مع الرئيس باراك أوباما ونائب الرئيس جو بايدن، أشار شي إلى أن الصين كانت هدفًا لـ”الثورات الملونة”، وهي عبارة اعتمدها الحزب من روسيا للاضطرابات الشعبية باسم الديمقراطية وألقى باللوم فيها على الغرب. وكانت انتفاضات “الربيع العربي” الأخيرة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط قد عززت مخاوفه من أن الصين كانت عرضة للغضب الشعبي بسبب الفساد وعدم المساواة، وكلاهما كان موجودا بوفرة في البلاد”.
كما سلط المطلعون بشؤون الحزب الشيوعي الصيني الضوء على العديد من المنصات على أن شي جين بينغ يجد صعوبة متزايدة في التعامل مع القضايا على الصعيدين المحلي والدولي. وإن الجهود التي يبذلها شي لتوسيع نطاق الأمن الوطني ليشمل القطاعين العسكري والمدني تنم عن عزمه على تعزيز سلطته، وربما إحاطة نفسه بالموالين. ومع قيام وزارة الأمن الوطني بإعادة صياغة مفهوم الأمن الوطني بـ”حرب الشعب”، فإن التمييز بين المجالات الداخلية والخارجية في المؤسسة الصينية يتلاشى.
حالات اختفاء رفيعة المستوى تحت مراقبة شي
وسط أنشطة دبلوماسية كبيرة، كان وزير الخارجية الصيني تشين جانج مفقودًا بشكل واضح منذ 25 يونيو 2023م. وقد تم لاحقًا مسح غيابه المطول، الذي كان يُعزى في البداية إلى “أسباب صحية”، من الوثائق الرسمية. وقد أكد هذا على النهج السلطوي الذي يتبعه الحزب الشيوعي الصيني تحت قيادة شي جين بينغ في ممارسة السيطرة على شؤون الدولة. وظهرت تكهنات بأن إقالة الوزير وغيابه المزعومَين مرتبطان بمزاعم الفساد ضده. ومع ذلك، تشير بعض المصادر إلى أن عزله من قِبَل شي كان بسبب مخاوف بشأن ولائه.
وفي 6 يونيو 2023م، ورد أن وو جوهوا، نائب قائد قوة الصواريخ لجيش التحرير الشعبي، انتحر. وتزامن ذلك مع تفقد شي لقيادة المسرح الشرقي. وذكر البيان الرسمي لجيش التحرير الشعبي أن ذلك حدث بسبب نزيف دماغي. ويثير الغموض الذي يحيط بوفاة الضابط رفيع المستوى تساؤلات حول سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على جيش التحرير الشعبي، خاصة وأن جيش التحرير الشعبي أظهر الولاء للحزب الشيوعي الصيني وليس للمواطنين الصينيين.
وفي يوليو 2023م، أعاد شي جين بينغ فجأة هيكلة قيادة قوة الصواريخ الصينية. وكشفت وسائل الإعلام الحكومية عن استبدال الجنرال لي يوشاو ونائبه الجنرال ليو قوانغبين بضابط البحرية وانغ هوبين وضابط القوات الجوية شو شيشين، وليس لدى أي منهما خبرة سابقة في هذا المجال. ويشير هذا إلى هدف شي جين بينغ المتمثل في توحيد قيادة الترسانة النووية عبر القوات المسلحة. ومع قيام الصين بتوسيع برنامجها النووي، يؤكد شي على الولاء داخل جيش التحرير الشعبي، وخاصة من جانب أولئك الذين يشرفون على القدرات النووية. وقد أثرت حملته “الانتقائية” لمكافحة الفساد على العديد من ضباط الجيش، الأمر الذي أدى إلى انقسامات داخل صفوف الجيش دعما لأهداف شي العسكرية.
وبالمثل، شوهد وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو علنًا آخر مرة في 29 أغسطس 2023م خلال خطاب ألقاه في المنتدى الصيني الأفريقي في بكين. وبعد ذلك، تضاءل ظهوره وسط مزاعم الفساد الناشئة. وتم اعتقال العديد من مسؤولي وزارة الدفاع مباشرة بعد اختفاء وزير الدفاع. وتتضمن القائمة: لي شيكوان، رئيس شركة صناعات شمال الصين، ويوان زي، رئيس الشركة الصينية لعلوم وصناعة الفضاء الجوي، وتشن غويينغ، المدير العام لشركة مجموعة صناعة شمال الصين، وتان رويسونج، رئيس شركة صناعة الطيران الصينية.
وقد أثار هذا تكهنات حول الاستراتيجيات السياسية الداخلية، مما قد يسلط الضوء على جهود الرئيس جين بينغ في تعزيز سلطته. ويشير غياب مماثل لوزير الخارجية في وقت سابق من هذا العام، إلى جانب الأنماط السابقة، إلى تكتيك جين بينغ للتخفيف من التهديدات المحتملة على القيادة وإحاطة نفسه بمخلصين.
ويبدو أن مناورات شي الأخيرة وغيابه عن قمة قادة مجموعة العشرين على الرغم من الطلب الذي قدّمه الرئيس الأمريكي بايدن، تبدو وكأنها محاولة يائسة لتعزيز الولاء داخل صفوف الحزب. ومع ذلك، يبدو أن هناك شعورًا متزايدًا بعدم اليقين داخل الحزب بشأن قيادته. وفي اجتماع بيدايخه السنوي، وهو قمة للقادة المخضرمين في الحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة خبي، واجه الرئيس شي انتقادات شديدة من كبار مسؤولي الحزب. وأعرب القادة عن فقدان الثقة في قيادة شي وحذّروه من أن فشله في حل هذه القضايا قد يؤدي إلى أزمة كبرى للحزب الشيوعي الصيني.
وفي المجمل، يبدو أن شي جين بينغ قد ضغط على “زر الذعر”. وتؤثر التحديات المتنوعة سلبًا على المسار السياسي للرئيس شي. وإن الرواية التي تم صياغتها بعناية والتي صوّرت الصينَ كقوة عظمى صاعدة تحت قيادة شي، من المقرر أن تكون أول ضحية كبرى للصراع على السلطة داخل الحزب الشيوعي الصيني.